لماذا لم تشتري أمازون

إي مول واختارت سوق.كوم؟

قد يبدو السؤال غريبًا بعض الشيء. ولكن دعوني أزيل بعض الغرابة لأحدثكم عن بعض المعلومات الغريبة عن منصة: إي مول - أحد مشاريع أو شركات البريد السعودي التي تم إطلاقها قبل أكثر من ٨ سنوات.

إي مول تأسست في وقت مبكّر جداً في السوق، آنذاك كان لديهم دعم هائل جدًا خاصة من الجانب اللوجستي (أسطول سيارات البريد السعودي آنذاك كان تحت أمرها) إلى جانب حصولهم خدمة سداد (في ذلك الوقت كان أول متجر الكتروني في المملكة يفعّل خاصية الدفع عبر سداد - فواتير وليس حساب سداد الذي نعرفه اليوم).

لم يقف الأمر عند البدايات المبكرة، أو وجود مزايا تنافسية (غير ممكنة للاخرين). بل تعداه إلى وجود رغبة جادة واستثمار في ميزانيات تسويقية كبيرة جداً من شركة البريد السعودي لتسويق المنصة لهدف بسيط جداً: أن يكون وجهة المتسوّق السعودي عند الرغبة بالشراء من الإنترنت. لا أنسى حملتهم الإعلانية في الشوارع وفي شاشات مدينة الرياض لعروضهم.


مع كل ماسبق، لا تجد انتشار لهذا الموقع على مستوى السعوديين، ولم يصل بعد مرور كل تلك السنوات لأن يكون وجهة أولى أو ثانية أو حتى خامسة عند الرغبة بالشراء الكترونيًا ! أمر محبط، أليس كذلك؟


يزيد الأمر إحباطاً أن يأتي منافس من دولة أخرى (سوق.كوم) ويستحوذ على السوق السعودي، ويبدأ وينافس حتى وصل لمرحلة وحجم مغري جداً ليتم الاستحواذ عليه من شركة عملاقة مثل أمازون. وهذا ما حدث فعلاً في صفقة الـ “ثلاثة في واحد” الشهيرة : سوق ، باي فورت وكيو اكسبريس التي أعلنت على سوق.كوم ليكون الـ يونيكورن الثاني في المنطقة في عام 2017 م.

نعود لإي مول، نظريًا - لو وضعت مقارنة بين الاثنين بدون النزول للميدان، سيتفوّق اي مول من ناحية المميزات. ولكن عمليًا، الأمر مختلف تماماً.


لماذا تبدو كثير من المشاريع الحكومية أو التي يتم تطويرها وإدارتها من قبل جهات أو شركات حكومية (وفي حالتنا هنا إي مول) على أرض الواقع، ليست كما تبدو نظريًا؟

بعد تأملي في إي مول وغيره من المشاريع الحكومية التي تحاول الدخول في تنفيذ وإدارة المنتج النهائي من الفكرة وحتى التأسيس (ليس عمل الحكومة أبداً) والاطلاع على تجارب دول أخرى ناجحة في إدارة القطاعين ووضع الفاصل بينهما، توصلت إلى ما يلي :

  • العمل على تنفيذ المشاريع (وخاصة من نوع بزنس - مستهلك  B2C / بزنس - بزنس B2B ) بحاجة إلى تغيير وتجديد مستمر وأخذ مخاطرة عالية في كثير من الأحيان وهو ما لا يتوافق مع عقلية الموظف الحكومي أو ”الموظف عموماً“ .  تُقتل كثير من الأفكار بسبب بيروقراطية الإجراءات وعقلية كثير من الموظفين الحكوميين. لكن إذا نظرنا لمشاريع ، خذوا أبشر على سبيل المثال، سنجد أن النتيجة النهائية قد تكون ممتازة، لأن الإجراءات واضحة وليس هناك داعي للتغيير الكبير والتجديد المستمر. أجاد مركز المعلومات الوطني وشركة علم في تطويره وخلق قصة نجاح نستمتع بها. المشاريع الحكومية من نوع : حكومة - مستهلك G2C. هي مساحة خصبة جداً للشركات الحكومية أن تُبدع. عدا ذلك، معظم التجارب التي شاهدتها لم تنجح.

  • الرتم في التطوير لدى الحكومة والشركات الحكومية بطيءجداً. والسبب يعود في الأساس لعدم وجود نموذج ربحي واضح إلى جانب عدم وجود أي استثمارات خارجية تضعهم تحت المساءلة أو تحت صفيح ساخن مما يؤدي إلى ضعف أو غياب الحوكمة والمحاسبة في حال عدم تحقيق النتائج المرجوّة. هذا يظهر جليًا حينما نضع : إي مول و سوق.كوم في مقارنة ونرى كيف أن الثاني تطوّر من ناحية البنية التحتية للمنصة ونموذج العمل والتوسّع، بينما الأول بقي على ماهو عليه لفترة طويلة جداً وكان التقدم والتطور فيها يعتمد على حماس المدير وبعض أفراد الفريق فقط عند تعيينهم!
    إلى جانب ذلك، فإن المصاريف على المشاريع الحكومية يكون بطريقة مبالغ فيها جداً وفيه غياب لعنصر العائد على الاستثمار أو البحث عن القيمة المثلى العائدة من هذا الصرف.

  • عدم الخروج عن المألوف أو الابتكار، هي أحد أهم أسباب ضعف المشاريع الحكومية التي تستهدف الأفراد. تزيد قيمة الابتكار وأثرها هنا، لأنها ليست رفاهية وإنما قد تكون ضرورة للمنافسة والاستحواذ على حصة جيدة من السوق. الابتكار في نموذج العمل أو في التنفيذ التقني أو غيرها، عامل أساسي ومهم في نمو أي شركة. الشركات الريادية في الغالب دورة الابتكار فيها أسرع في الرتم من الشركات الكبيرة، فما بالك إذا وضعناها في مقارنة مع الجهات الحكومية!

  • التنفيذ السيء للأفكار الابتكارية، يقتلها شر قتلة. ومسببات ذلك كثيرة، ولكنها في القطاع الحكومي تتمحور حول اعتماد الجهات الحكومية على : مزودي خدمات أو مقاولين لتنفيذ تلك الأفكار والابتكارات، ويكون دور الفريق في الجهة هو الإشراف والمتابعة (وكثّر الله خيره). لا يمكن الوصول لابتكار يحل المشكلة لدى العميل النهائي مادام بين المشروع وبين العميل : مقاول. هََم وتركيز هذا المقاول الأساسي إغلاق المشروع والانتهاء منه لتحصيل قيمة المشروع !

  • نموذج العمل غير واضح لكثير من تلك المشاريع حتى لدى من قام باقتراحها! لماذا تم تأسيس تلك المشاريع؟ هل هي مستدامة أو ستبقى معتمدة على ميزانيات تلك الجهات؟ ماهي معايير قياس الأداء وكيف سنعلم أننا نسير على الطريق الصحيح والنمو؟ هل يمكننا الإفصاح عن أرقامنا للملأ كما تفعل تلك الشركات الريادية وتوضيح كم عملية بيع قمنا بها في يوم الجمعة البيضاء أو الخضراء أو السوداء ؟ - الإجابات على كثير من الأسئلة السابقة هي أسئلة بلا أجوبة في حالة المشاريع الحكومية أو أمور “مسكوت عنها” عمداً أو جهلاً.

  • أخيرًا وليس آخرًا، الفريق الفريق الفريق. كثير من المستثمرين اليوم لا يستثمر في المشروع أو نموذج العمل فقط. فهذا قابل للاستنساخ أو لن يستمر طويلاً، ولكن الاستثمار الأهم يكون دائماً في فريق العمل. مهما بلغ حب الموظف لوظيفته لن يُقارن بشغف صاحب المشروع بمشروعه الريادي. إذا سلمنا من مبدأ العمل والإنجاز لإرضاء المدير، فلن نسلم من فكر الموظف الحكومي بارتباط عمله بساعات عمل مريحة ودوام محدد. في أكثر من مرة احتكينا مع بعض الجهات الحكومية التي لديها منتجات، تعاقب على منتجاتها أكثر من ٥ أشخاص يديرونها. وكأن تكليف هذا الشخص بهذا المنتج مساحة له للتجربة والطقطقة قبل الانخراط في مشاريع الشركة الدسمة. لا يوجد أي اهتمام أو ولاء برؤية هذا المنتج أو المشروع يكبر وينمو.

لأجل هذا كله أو بعضه لن أتوقع من أي مشروع حكومي أو تم تنفيذه من جهة حكومية أو شبه حكومية يستهدف العميل النهائي نتائج هائلة. بل يتعدى الأمر ذلك، إلى أن نرى أثر سلبي لتلك المشاريع على البيئة الريادية مثل قتل المنافسة أو التضييق والتشويش على العميل النهائي وإهدار المال الحكومي.


سيقول أحدهم إذا ما الحل؟

ببساطة، أن تعود الجهات والشركات الحكومية لدورها الأساسي. وهو توفير بنية تحتية متميزة، والتركيز على سن القوانين والتشريعات لتمكين اللاعبين في الصناعة من تنمية أعمالهم وتوسّعها. وهذا ليس بالشعارات والحماس والنيّة. بل الاستثمار والدعم في الشراكة / الاستثمار وتمويل تلك المشاريع الريادية لتحقيق النمو السريع هو أسمى ما يمكن عمله.

احتكار أسواق معينة في قطاع التجارة الالكترونية أو منع وصول الشركات لمعلومات أو بيانات أو تعقيد الوصول لها، لن يصب في الصالح العام للصناعة.

من حق الجهات الحكومية أن تربح، ولكن بطريقة ذكية تُشرك فيها اللاعبين في الصناعة بأن يكونون شركاء في الربح المستدام في كافة المشاريع لا أن يكونوا فقط شركاء في التنفيذ (مقاولين) وبعد ذلك (مع السلامة) ونشوف غيركم .


وأنتم، لو خُيرّتم بين شراء إي - مول أو سوق.كوم - ماذا ستشترون؟